د/يحيى بن ابراهيم اليحيى 


د. يحيي بن إبراهيم اليحيي / إذا أحسنت فانتظر الإساءة تربح

image

د. يحيي بن إبراهيم اليحيي / إذا أحسنت فانتظر الإساءة تربح

بسم الله الرحمن الرحيم

يستغرب كثير ممن أعرف حينما أذكر لهم مقولة الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى وما انتهى إليه في تجاربه في الحياة وتوصل بها إلى قناعة تامة لا تقبل الشك والريب عنده كقوله: " إذا أحسنت فانتظر الإساءة تربح" ويقولون: إذا أحسنت فانظر الإحسان؛ لأن هذا هو المناسب للحال والمنتظر من الرجال، والله تعالى يقول : (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، وغفلوا أن هذه الآية المقصود بها جزاء الله تعالى لعباده المؤمنين، ثم هي ترغيب لأهل الأيمان في مقابلة الإحسان بالإحسان.

لكن طبيعة الإنسان الأصلية كما قررها القرآن الكريم هي الجحود وكفران النعمة ونسيان الجميل والتنكر للفضل والإحسان بل مقابلته بالإساءة، إلا من زكى نفسه ورباها على الأخلاق الفاضلة، فإن هذا الخلق يقل ويختفي ويضعف على حسب التزكية والتربية.

وأكثر مشكلات الناس وما يحدث بينهم من القطيعة هي بسبب انتظار المكافأة على ما قاموا به تجاه الناس، ويشق عليهم بل قد يصابون بصدمات نفسية إذا اختفت المكافأة فكيف إذا تحولت إلى إساءة؟

وقد ألقيت على مجلس من مجالس أهل الفضل سؤالا فقلت لهم: لو أن شخصا اتصل على أخ له وطلب منه أن يشفع لابنه في وظيفة في المدينة التي فيها ففعل وقبل ابنه، ثم طلب منه أن يبحث له عن بيت ويستأجره له، ففعل، ثم طلب منه أن يساعده في شراء الأثاث له لكون ابنه غريب في البلد فقام معه كما ينبغي، ثم رغب منه أن يقف مع ابنه ويرغبه في البقاء ويؤنسه نظرا لعدم وجود أقارب ومعارف به، فقال له تكرم عينك وقام معه بما ينبغي لمثله.

ثم إن هذا الرجل قدر الله له أن يقبل ابنه في الجامعة التي فيها صاحبه هذا، فطلب منه أن يقف معه في تسجيل ابنه في الجامعة وأن يدله عليها فاعتذر عن ذلك؟

فاستغرب المجلس كلهم من هذا التصرف ووصف صاحبه بالخسة واللؤم، وقالوا جميعا ما يمكن أن يحدث هذا من إنسان سوي.

فقلت سبحان الله: كم أحسن هذا الرجل لصاحبه من مرة فقالوا: خمس مرات متتالية، فقلت وكم تحسن الأم أو الأب إلى ابنهما من مرة! فقالوا مئات المرات، فقلت سبحان الله ومع ذلك يقول الله تعالى: " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا" هل يحتاج إلى وصية مع هذا الاحسان العظيم الذي لقيه من والديه! بل إن الله تعالى قال: " فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما" سبحان الله؟ وهل يقع ذلك! لماذا ما يستنكر هذا الفعل ؟ ولماذا لا نراجع أنفسنا مع أكبر من أحسن إلينا؟

أخي الكريم: لنرجع إلى مقولة ابن حزم ولعلكم الآن أقرب إلى فهم واقعها؛ إن ابن حزم يريد منك حين عرفت طبيعة الإنسان الأصلية أن لا تصاب بصدمة نفسية، وأن يكون إحسانك مأجورًا عليه، فتقصد به وجه الله تعالى ولا تريد عليه جزاءً ولا شكورا، فإن أساء إليك من أحسنت إليه فلا تصدم بذلك، وإن لم يسيء فأنت رابح، وإن أحسن فربحك أكثر، وإن كافأك زاد ربحك، وإن زاد في إحسانه تضاعف الربح. مع أنك رابح في مقصدك الأصلي من الإحسان وهو أعظم الربح.